الرئيسية / آراء اقتصادية / مآسي التجارة وأفكار للإدارة والتمويل لإعمار مدينة حلب

مآسي التجارة وأفكار للإدارة والتمويل لإعمار مدينة حلب

صالح زكور خبير اقتصادي

قبل عامين ونصف كان لي ورقة عمل اقتصادية قدمتها خلال ورشة العمل التي اقيمت آنذاك تحت شعار : ( حلب المسؤولية والتحدي ) ، وشاركت فيها بدعوة خاصة من الاستاذ بشر يازجي وزير السياحة في حينه وكنت امثل نفسي فقط او كما يطلقون علينا المجتمع المدني .

فمدينة حلب جمعت بين الجمال والتاريخ والفن والتجارة . ومنذ القدم تميزت بموقعها الجغرافي والتقاء الطرق التجارية . ففي عام ١٢٠٧ م تم توقيع اتفاقية تجارية بين البندقية وحلب ، وفيها افتتحت أول القنصليات الاوربية في الوطن العربي .

تاريخياً استطاعت حلب تجاوز الكثير من الكوارث ، مثل دمار الأكاديين ، ثم دمار تيمورلنك ، ولكنها استعادت عافيتها اقتصادياً بأفضل من السابق ، في حين أن مدن مثل نينوى وبابل وإبلا اندثرت ، لذلك فان مدينة حلب تحتاج لعمل خاص يلائم مكانتها التاريخية .

ولنا في التاريخ والدول التي حدث فيها حروب ودمار هائل ، عبرة يمكن ان تكون امثلة نقيس عليها . في المانيا مثلاً : وضع هنري مورجينتا الذي كان يشغل منصب وزير المالية الأمريكية آنذاك خطة تقضي بتحويل المانيا الى بلد زراعي ، وبالتالي فإن الاقتصاد الألماني سيكون ضعيفاً ، ولن يجرؤوا على خوض أي حرب مستقبلية ، وقد رفض الاقتراح من قبل الرئيس الامريكي آنذاك ، طبعاً ليس حباً بالألمان ، ولكن لأنها ستؤدي لإفقار الشعب ، وبالتالي ستكون الأرضية خصبة لإنتشار الشيوعية ، وتم الغاء هذه الخطة واستبدلت بخطة اخرى ، هي خطة المارشال .

من هنا نكتشف ان تدمير الصناعة يؤودي بالضرورة الى افقار الشعب . أما خطة مارشال : فهي تتحدث عن تطبيق العلاج بدلاً من المسكن وتستند بنودها الى توفر العوامل التالية :

١-جهد قوي للانتاج .

٢- توسيع التجارة الخارجية .

٣- انشاء وصيانة الاستقرار المالي الداخلي .

٤- تطوير التعاون الاقتصادي الاوربي .

المساعدات تكون على شكل بضائع امريكية تباع لمن يدفع السعر الأعلى في المانيا سواء قطاع عام او خاص ، وثمنها يوضع في البنك المركزي ضمن صندوق تديره لجنة إعداد الخطط للانفاق بصورة منتجه .

ونجحت المانيا في تخطي مأساتها ، علماً بان ٩ ملايين قتيل الماني كانت حصيلة الحرب التي استمرت ٢٠٧٧ يوم ، وأدى لنقص حاد بالايدي العاملة ، و أدى لان توقع المانيا مع ايطاليا وتركيا لاستقدام العمالة التي وصلت الى١٤.٥ مليون شخص .

حينها احتل التعليم والبحث العلمي اهمية بالغة وصل لعدد ٣٨٣ مؤسسة للتعليم منها ١٠٣ جامعات ، وبعدد ١١١٨٨ براءة اختراع وحصول علمائها على ٨٠ جائزة نوبل .

ما اود قوله : نحن بحاجة لخطة اقتصادية حديثة تعتمد على المشاريع الصناعية المنتجة لرفد الاقتصاد وتغطية تكاليف اعادة الاعمار .

والمقترح : هو الإعتماد على التمويل الذاتي ، وذلك عن طريق طرح بعض المواقع في حلب القديمة التي لاتحمل الطابع التاريخي ، ويتواجد فيها مباني حديثة مهدمة اوشبه مهدمة للاستثمار ، ومن ريعها يتم تمويل مشاريع ترميم المواقع التاريخية ، مع الاصرار على الابقاء على الطابع القديم .

التأكيد على اهمية المحافظة على المباني التي تحمل الصفة التاريخية والعمل على اعادتها كما كانت وان كان نسبة الدمار فيها ١٠٠٪‏ في المدينة القديمة .

اضافة الى اقامة معارض داخلية وخارجية ، لمشاريع استثمارية تساعد على اعادة الاعمار وتكون مشاريع جاهزة : ( دراسات، تصميم ، جدوى اقتصادية ، تكاليف اولية ) ويتم تسويقها بالاساليب الحديثة .

استقطاب المستثمرين السوريين بالداخل والخارج عن طريق عمل صناديق استثمارية .

احداث صندوق لاعادة الاعمار تساهم فيه الجهات التي تحمل صفة الاستثمار ، ولديها دخل مثل البلدية والاوقاف و الاشخاض المتبرعون .

تشجيع العمل الجماعي للصناعيين والتجار وذلك عن طريق اقامة تجمعات صناعية .

في الحقيقة ، نحن بحاجة لقيادة عملية اعادة الاعمار وليس إدارتها فقط ، ( الادارة هي تنفيذ الاعمال ضمن اللوائح والقوانيين مما يؤدي الى توقف الاعمال لاسباب بيروقراطية ، ولكن القيادة تكون عبر استخلاص أفضل النتائج ضمن الكادر والامكانيات المتاحة بطريقة ديناميكية مرنة تتيح للقيادي العمل والابداع بإيجاد الحلول الفورية من خلال صلاحيات واسعة .

إن أي عمل يتم على مراحل تراكمية يسمى سلسلة اعادة الاعمار ، الحلقة الاولى فيه : ( تخطيط، تصميم ، أفكار ، ارشيف ، توثيق ، موارد بشرية ) .

وهذه الحلقة متوفرة بحلب دون تحضيرات وخبرات اختصاصية ، ثم هناك حلقة تفصل حلقة التنفيذ على الارض ، وهي الحلقة الاهم حالياً ، هي حلقة التمويل وبدونها لايمكن تخطي مرحلة التحضير ابداً ، لذلك اقترح احداث صندوق مركزي لمدينة حلب القديمة ، يتم تأمين مواره من :

١-الموارد المتوفرة من المديريات داخل مدينة حلب ، مثل : ( الاوقاف،البلدية،سياحة،كهرباء، المياه ،المالية ،…الخ)

٢-جمع التبرعات من المواطنين بارادتهم ، ومن الشركات الخاصة أو الجمعيات او المنظمات ، أو تحصيل رسوم خاصة بموجب قانون ، لاعادة الاعمار

٣- بيان حجم الدعم المقدم من الحكومة .

٤- تحديد شريحة ( نسبة مؤوية ) مما يحصل من ضرائب داخل محافظة حلب …..والقائمة تطول .

المهم حاليا ، أن يتم تحديث آلية العمل والتخلص من البيروقراطية والاعمال الورقية والمراسلات . لذلك اقترح إنشاء نافذة واحدة فقط ، تضم جميع القطاعات المعنية إختصاراً للوقت ، وتقضي على تضارب الانظمة والقوانيين بين المديريات .

هناك حاجة ملحة لانشاء صندوق اسعافي للمباني التي تحمل طابع تاريخي وجمالي ، لاجراء بعض التدعيمات الاسعافية لانقاذها من تهدم ماهو قائم حالياً ، واقترح لتمويله اصدار طابع يفرض على جميع المعاملات في محافظة حلب .

مما سبق نحن بحاجة الى اصدار قوانين جديدة تتلائم وتناسب الاحتياجات في مرحلة إعادة الإعمار والترميم لمدينة حلب القديمة ، ( من قانون الايجارات ، قانون الملكيات ، قانون الاوقاف ، القانون المالي والضرائب ، قانون الاستثمار ) ويفضل ان تكون قوانيين خاصة بالمدينة القديمة .

اتمنى عدم الاعتماد على الدراسات الاستراتيجية الدولية .

 

شاهد أيضاً

عندما طلب الرئيس عـالم اقتصاد بيد واحدة!

د. سعـد بساطـة صحيفة الوطن روي عـن الرئيس هاري ترومان أنه طلب من مستشاريه عـالم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Call Now ButtonCall us Now