تتوالى الشائعات مع كل قرار صادر ذو صلة بالسيارات أو لا صلة له، لتدور في فلك انخفاض سعر السيارات وعودتها إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لكن سرعان ما تتلاشى هذه الأخبار “المُغرضة المُفرحة” وتذهب مع أدراج الرياح ويبقى شراء السيارة المستعملة ضرباً من ضروب الخيال، إذ لم يكد المواطن يتناسى ما تداولته صفحات التواصل الاجتماعي وتنبؤات الاقتصاديين في انخفاض الأسعار مع قرارات إلغاء الدعم عن مالكي السيارات ذات الموديل الحديث، وتوجّه مالكيها لبيعها وبالتالي إغراق السوق بالسيارات وانخفاض سعرها، حتى بدأت من جديد شائعات انخفاض سعرها تزامناً مع قرار السماح باستيراد مكونات السيارات لشركات تجميع السيارات، وذلك بعد أعوام من توقف استيراد أي قـطع سيارات تستخدم في تجميع السيارات من قبل شـركات متخصصة في هذا الشأن، إلّا أن الواقع لا زال ينبئ بعدم تحرك سوق السيارات أي خطوة إيجابية لجهة خفض سعرها لأسباب غير واضحة المعالم.
“أكل العسل”
وعلى الرغم من ترقب المواطنون لأي بارقة أمل في خفض السعر مع قرار رفع الدعم عن السيارات الفاخرة، إلّا أن ارتفاع سعر السيارات المستعملة ذات الموديل القديم كان سيد الموقف، لينشط سوق السيارات المستعملة في الآونة الأخيرة بشكل مخيف وغصّت الشوارع بسيارات أكل الدهر عليها وشرب، خاصّة وأن شريحة كبيرة من رواد السيارات وجدت ضالتها بها، كونها لا زالت تحت مظلة الدعم، من جهة أخرى كان لأصحاب ورش التصليح نصيبهم من “أكل العسل” كون هذه السيارات عُرضة بشكل مستمر للأعطال والتصليح ودس العملة بجيوبهم بشكل متوالي.
إجحاف بحق المواطن
ويُجمع أصحاب الاختصاص على تجاهل الجهات المسؤولة لهذا السوق وتركه عُرضة لطمع وجشع التجار، إذ يرى عدنان الشيخة”مهندس ميكانيك” بارتفاع أسعار السيارات عشرات ضعفها عن ما كانت عليه قبل الأزمة إجحاف بحق المواطنين، لاسيّما وأن وضع المواصلات لا زال مأساوي في بلدنا في ظل عدم توفر المحروقات بشكل كافي ومستمر، ويرى الشيخة أن الحرب التي تعرضنا لها وارتفاع قطع التبديل والعقوبات الاقتصادية المفروضة ساهمت بشكل كبير في شلل سوق السيارات، ناهيك عن فقدان الكثيرين لآلياتهم نتيجة الحرب ليصبح شراء سيارة خلال السنوات الماضية حلم للكثيرين، إلّا أن المعطيات اليوم تختلف عن الأمس بالتالي يجب التحرك لصالح تنشيط هذا السوق خاصّة مع القرار الأخير الذي لم يبصر النور حتى الآن، ليكون المطلوب التوجّه بشكل فعلي إلى تطبيقه وخفض سعر السيارات وجعلها في متناول يد الطبقة المتوسطة، ناهيك عن ضرورة إعادة فتح باب “التقسيط” للعديد من السيارات كون أكثر من 80% من سوق السيارات قبل الحرب كان يعتمد على التقسيط، مع أهمية تواجد دوريات التموين في مناطق ورش التصليح التي تتحكم بأسعار القطع وتٌعطي أرقام قياسية عند إجراء أي تصليح بسيط وسط غياب فعلي لأسعار قطع التبديل بشكل صريح ومعلن للجميع، ليختلف سعر القطعة ذاتها بعشرات الآلاف من منطقة لأخرى، ويجد الشيحة أهمية وضرورة في التوّجه إلى أسواق السيارات الكهربائية في ظل ارتفاع سعر المشتقات النفطية عالمياً توجّه العالم إلى بدائل الطاقة والاعتماد على الطاقة الشمسية.
تحكم التجار
ومع ارتفاع سعر السيارات ودخولها في سباق مع ارتفاع سعر العقارات، استطاعت شريحة معيّنة الظفر بقيادة سيارات “موديلات حديثة” والتشفيط فيها ضمن شوارع البلد، ليُثيروا عشرات إشارات الاستفهام حول كيفية دخولها وتأمين المحروقات لها وسط الشح الذي تُعاني منه الكازيات، ليؤكد لنا الاقتصادي “اسماعيل مهنا” أن ارتفاع سعر السيارات عائد لتحكم شريحة معيّنة تتلخص بتجار قطع التبديل وفرضهم أسعار تتماشى مع طمعهم وسط غياب المراقبة من “حماية المستهلك” في وضع حد لهم، إذ تشي الضبوط القليلة المنظمة بحق المخالفين منهم بانعدام الرقابة الجدّية، ويرى “مهنا” أن شريحة لا بأس بها قامت ببيع سياراتها مع قرار رفع الدعم عنهم وتحمّل أصحابها عبء إضافي في شراء المحروقات بالسعر الحر، إلّا أن ذلك لم ينعكس على السوق وعلى السعر الأمر الذي يُعيدنا إلى “مصبّ التجار” مرة أخرى في تحكمهم بأسعار قطع التبديل بالتالي بجنون أسعار السيارات الذي لا يرتبط فقط بقلّة توافر القطع في السوق وارتفاع سعر الصرف وارتفاع أجور النقل بل بضعف الرقابة أمام الكم الهائل من التسيب الحاصل في المحلات والباعة والأسواق، وغض النظر عن دخول السيارات الفاخرة بشكل غير نظامي إلى شوارعنا دون أي تفسير وتبرير.
رفع التضخم
كذلك يرى عامر ديب عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها أن موضوع تبديل قطع السيارات هو أداة من أدوات المضاربة على الليرة السورية، وزيادة مستويات التضخم، خاصّة وأن الكثيرين اليوم يقومون باستيراد نخب ثالث ورابع من قطع الغيار”ستوك” وتباع للمواطنين بمئات الآلاف في ظل عدم وجود ضوابط ومراقبة من وزارة التجارة الداخلية، مع عدم وجود معايير لمنح إجازات الاستيراد من قبل وزارة الاقتصاد لنصل في نهاية المطاف إلى رفع أجور الكلف على النقل، وإضرار بالاقتصاد الوطني، فالتضخم يرفع الأسعار ويتطلب بالتالي رفع الرواتب والأجور لنصل إلى إرهاق خزينة الدولة، لذا المطلوب برأي عضو مجلس الإدارة هو ضبط هذا السوق وإيجاد تسعيرة له وتطبيق المرسوم “8” وتنفيذه بالحد الأمثل لا تنفيذ شق منه وغض النظر عن الكثير من جوانبه.
سيارات كهرباء
ووافق عضو مجلس الإدارة قرار الحكومة بمنع استيراد السيارات لعدم وجود محروقات كافية لتغطية حاجة السوق، منوّهاً إلى تغافل وزارة التجارة الداخلية عن واجبها تجاه هذا القطاع وعدم وجود إستراتيجية لضبط هذا السوق الذي يعتبر مع سوق العقارات من أكثر القطاعات التي يصيب الضرر بالليرة السورية والاقتصاد ويصل بالتضخم إلى مستويات عالية، وفيما يتعلق بحقيقة السيارات الكهربائية التي انتشرت صورها وعروضها على صفحات التواصل الاجتماعي المحلية نفى ديب وجود أي قرار بشأنها حتى الآن، وأن كلّ ما يروج على النت هو وهم وغير حقيقي، لذا يجب الحذر من عمليات النصب والتغرير بالمواطن عبر تلك الصفحات، منوّهاً إلى أهمية البحث عن طريقة شحن هذه السيارات قبل البحث عن استيرادها، فأي طريقة شحن لا تعتمد على الطاقة الشمسية بشكل كامل هي غير مجدية، واعتبر ديب أن فكرة السماح باستيراد سيارات كهرباء هي أمر هام خاصة مع اتخاذ الاتحاد الأوربي بعام 2035 قرار بإيقاف إنتاج السيارات ذات الوقود الأحفوري وما رافقه من زيادة في الطلب على السيارات الكهربائية تزامناً مع ارتفاع سعر المشتقات البترولية عالمياً، ناهيك عن عدم قدرة المصانع في العالم على إنتاج خطوط جديدة لعدم كفاية السعة الإنتاجية، بالتالي فإن استيراد السيارات الكهربائية سيخفض مستويات التضخم وينعكس إيجاباً على دعم سعر الصرف وعلى تحريك العملية الشرائية، ويرى ديب أننا لا زلنا نعتبر أسواق مجهولة الجدوى الاقتصادية بالنسبة للدول ذات مشاريع السيارات الكهربائية، لذا يجب أن يتم التشجيع بالسماح باستيرادها ومن ثم إقامة مصانع مشتركة.
عضو مجلس الإدارة حذّر من إبقاء الوضع على ما هو عليه بالنسبة لسوق السيارات المستعملة وقطع الغيار، لاسيّما وأنه يؤدي إلى استنزاف خزينة الدولة وموارد الدولة من القطع الأجنبي، لذا يجب إيجاد حل عن طريق السماح باستيراد السيارات الكهربائية وفق ضوابط حقيقية مهنية تقودنا خلال سنتين إلى استثمارات ضخمة في هذا المجال.
سيرياستيبس